الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تدافع الحسنات والسيئات... رؤية شرعية

السؤال

أعمل في بنك غير إسلامي، وكنت دائم البِرِّ لوالدتي -رحمها الله- في حياتها، كما أنني لا أدخر جهدا في بر والدي وأختي وبناتها حيث أتكفل ببعض أمور حياتها بسبب أنها مطلقة، كما أنني أود أن تقر عين أمي ببري لأختي من بعدها، وكذلك أبي.
فهل أُجزى عن بري لوالدي وأختي وبناتها بغض النظر عن أنني أعمل ببنك ربوي؟
وهل لي أجر عن بري لأمي في حياتها، ويدخر لي ذلك عند الله، أم أكون كمن يحرث في بحر؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالله -عز وجل- حَكَم عَدْل، فكما يجزي المسيء بإساءته، فإنه يجزي المحسن بإحسانه، كما قال تعالى: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى [النجم: 31]، وقال سبحانه: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [فصلت: 46]، وقال عز وجل: إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا [الكهف: 30].

فمن عمل في بنك ربوي، وبر والديه ووصل رحمه، كان عليه إثم الربا، وله أجر البر والصلة، ويوزن ذلك كله يوم القيامة.

وهذا في مجمل البر والصلة.

أما في خصوص المال، فإن التصدق بالمال الحرام وإنفاقه في أبواب الخير، لا يؤجر عليه صاحبه. فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وقد جاء في الحديث: من جمع مالا حراما ثم تصدق به لم يكن له فيه أجر، وكان إصره عليه. رواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، والحاكم.

ورواه الطبراني بلفظ: من كسب مالا من حرام فأعتق منه، ووصل رحمه؛ كان ذلك إصرا عليه. وحسنه الألباني في صحيح الترغيب.

وراجع في ذلك الفتويين: 198613، 39719.

ثم إن لحرمة الكسب وخبث المطعم أثرا مباشرا في قبول العبادات ولا سيما الدعاء، كما سبق التنبيه عليه في الفتوى: 81035.

وعلى أية حال، فلا ينبغي للمسلم أن يجعل من العمل الصالح دافعا أو مسوغا لاقتراف الحرام، بل على العكس، فإنه ينبغي أن يجتهد في ترك الحرام حفاظا على عمله الصالح، الذي قد يحبط بسبب السيئات، وخصوصا الكبائر منها.

قال ابن القيم في (زاد المعاد): الكبيرة العظيمة مما دون الشرك قد تكفر بالحسنة الكبيرة الماحية ... وهذا كما أنه ثابت في محو السيئات بالحسنات .. فهو ثابت في عكسه، لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى} [البقرة: 264]، وقوله: {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون} [الحجرات: 2].

وقول عائشة عن زيد بن أرقم لما باع بالعينة: "إنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب". وكقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه: «من ترك صلاة العصر حبط عمله».

إلى غير ذلك من النصوص والآثار الدالة على تدافع الحسنات والسيئات وإبطال بعضها بعضا، وذهاب أثر القوي منها بما دونه، وعلى هذا مبنى الموازنة والإحباط. اهـ.

ولا يجوز للمرء أن يأمن مكر الله، ولا أن ييأس من روح الله، بل عليه أن يتقي الله تعالى، ويصدق في التوكل عليه، ويحسن الظن به، قال تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ * أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ. [الأعراف: 96 - 100].

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني