الاكتئاب أصابني بالفتور والتقصير، فهل أنا معذور ؟

2024-03-28 03:07:05 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تم تشخيصي بالاكتئاب النفسي منذ قرابة 9 أشهر، وطوال تلك الفترة قضيتها بين مجتهد في طاعة الله وبين كوني في داخلي فتور رهيب جعلني لا أخشع في الصلوات، ولا أقدر على الاستماع للدروس العلمية الدينية كالمعتاد، وكذلك كل الاجتهادات التي حاولت الاستمرار عليها من قبل لا أستطيع الرجوع إليها مرة أخرى.

وتبينتُ من طبيب نفسي أن تلك الأعراض لمرض الاكتئاب، وهي: فتور شديد، وعدم قدرة على التركيز، وعدم وجود طاقة، وعدم حافز لفعل أي شيء، وحزن يقبض القلب بدون سبب، وجلد للذات، وندم باستمرار لعدم المقدرة على فعل شيء نافع، سواء في الدين أو في الدنيا.

حاولت طلب النصح والمساعدة من الكثير من الأصدقاء، وطلب العون منهم لتشجيعي على الرجوع إلى الله والتقرب منه مرة أخرى، ولكن لم تنفع كل محاولاتهم معي، فهل أنا معذور في تقصيري بسبب حالتي النفسية؟

علمًا أني أحيانًا أحاول بذل كل جهدي، ولكن حقًّا لا أستطيع أن أتقدم قيد أنملة، وأقصى محاولات هي الحفاظ على الفروض وكوني مسلمًا قدر المستطاع، ومحاولة في عدم الوقوع فى الشرك بقدر ما أعلم، ومحاولتي عدم ارتكاب الكبائر بقدر المستطاع، ولكن لا أستطيع الاجتهاد في ديني.

وأيضًا أخجل من ذكر هذا، ولكن أحيانًا كثيرة لا أقدر على الذهاب للصلاة في المسجد، بسبب حالتي التي تجعل كل فعل - ولو بسيطًا - ثقيلًا على قلبي، وكذلك كرهي لملاقاة الناس، ورغبتي الشديدة في الانعزال.

وكان رد الطبيب أن أفضل حل لعلاج حالتي هو البدء في العلاجات النفسية، فما الحيلة والنصح أثابكم الله؟

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في موقع استشارات إسلام ويب.

أخي الفاضل: هذا التباطؤ في الدافعية وانحسار الأفعال والدوافع الإيجابية لديك؛ قد يكون بالفعل مؤشّراً لوجود اكتئاب نفسي. لكن لا أريدك أبدًا أن تجعل هذا الاكتئاب - إن وُجد - عُذرًا لك في أن تكون مُبطئًا في إدارة شؤون حياتك بصورة إيجابية، خاصةً فيما يتعلّق بواجباتك الإسلامية.

أنت الحمد لله تعالى في بدايات سِنِّ الشباب، والله تعالى حباك بطاقاتٍ نفسيّة وبيولوجية وفسيولوجية، وهذه قطعًا سوف تستغلَّها على أحسن ما يكون.

والاكتئاب له مكوّن فكري، ومكوّن سلوكي وجداني، وكذلك فيما يتعلق بالأفعال، ونحن نقول للناس: دائمًا صححوا الأفكار المشوّهة التي قد يأتي بها الاكتئاب، وهي السلبية، والتشاؤم، هذه يجب أن يسعى الإنسان لتجاهلها ولتغييرها بما هو إيجابي، هذا مهمٌّ جدًّا.

وبالنسبة للأفعال: مهما كانت وطأة الاكتئاب وقسوته؛ فالإنسان يجب أن يجتهد في أن يكون إيجابيًّا في أفعاله، خاصة فيما يتعلق بالصلاة على وقتها، والصلاة مع الجماعة في المسجد، وحين تبذل هذا الجهد النفسي سيعود عليك بمردود إيجابي كبير جدًّا، سوف تحسّ بالمكافأة الحقيقية، ممَّا يجعلك نشطًا ومُقبلًا على العبادة. فيجب أن تقوّي العزم عندك، الدافعية، يكون لديك الجَلد، يكون لديك الإصرار، والإنسان يُحقق ما يُريد من خلال بناء الدافعية لديه.

وطبعًا سيكون من الجميل أن يكون حولك مَن يأخذ بيدك من أصدقائك، أو من أهل بيتك، فالإنسان يحتاج للمؤازرة في كل شيء، حتى في أمور العبادة، وأمور الحياة العادية.

لا تستكن ولا تستسلم، ولا تكون تشاؤميًّا، ولا تكون سلبيًّا، لا في أفكارك ولا في شعورك، ولا في أفعالك. هذه هي الرسالة التي أوجّهها لك.

ولا بد أن تمارس قدراً من الرياضة، الرياضة تبني النفوس كما تبني الأجسام، وتُحسّن الدافعية.

وأنا لا أرى أن هناك ما يمنعك من تناول أحد الأدوية المضادة للاكتئاب، والتي تُحسّن الدافعية، وعقار (فلوكستين Fluoxetine) والذي يُعرف باسم (بروزاك Prozac) من الأدوية السليمة والفاعلة جدًّا، وهو قليل الآثار الجانبية، بل تكاد تكون آثاره الجانبية معدومة.

تبدأ في تناوله بجرعة عشرين مليجرامًا يوميًا لمدة عشرة أيام، بعد ذلك اجعلها أربعين مليجرامًا يوميًا، وهذه جرعة وسطية ممتازة جدًّا، علمًا بأن الجرعة الكلية هي ثمانين مليجرامًا في اليوم، لكن لا أراك في حاجة لمثل هذه الجرعة.

استمر على جرعة أربعين مليجرامًا يوميًا لمدة أربعة أشهر، ثم خفضها إلى عشرين مليجرامًا يوميًا لمدة ثلاثة أشهر كجرعة وقائية، ثم اجعلها عشرين مليجرامًا يومًا بعد يومٍ لمدة شهرٍ، ثم توقف عن تناول الفلوكستين. هذا الدواء رائع وسليم، وغير إدماني، وأنا متأكد أنه - إن شاء الله تعالى - سوف يعود عليك بخير كثير.

الفعالية العلاجية لا تبدأ إلَّا بعد ثلاثة إلى أربعة أسابيع من بداية الدواء، فأرجو أن تستمر وأن تلتزم، وتكون إيجابيًّا ومتفائلًا، و-إن شاء الله تعالى- يعود عليك الأمر بفائدة عظيمة.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

www.islamweb.net