الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما يلزم من قتل قطة أو طائرا بالحرم خطأ

السؤال

في البداية كل عام وأنتم بخير بمناسبة دخول أيام الحج ولكم جزيل الشكر على هذا المجهود الرائع وجزاكم الله عنه كل خير.
سؤالي فقط: ما حكم من قتل طائرا أو قطة خطأ في مكة المكرمة وكيفيه التحلل ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فليعلم أولا أن من شرف مكة وفضلها أن حرم الله صيدها، فمن قتل فيها صيدا سواء كان حلالا أو محرما فعليه الجزاء.

جاء في الروض مع حاشيته: يحرم صيده –أي الحرم- على المحرم والحلال إجماعا، لحديث ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: «إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض فهو حرام بحرمة الله، إلى يوم القيامة». انتهى.

وسواء كان عامدا أو مخطئا في قول الجماهير، لكنه إن كان عامدا أثم بذلك وإلا فلا إثم عليه.

قال في حاشية الروض: وقال ابن كثير وغيره: العمد في قتله والخطأ سواء عند جمهور العلماء، إلا أن المتعمد آثم، والمخطئ غير آثم. انتهى.

وإذا تبين هذا فإن القط لا جزاء فيه لكونه غير مأكول، فمن قتله خطأ فلا شيء عليه إذ من شروط الصيد الذي يجب فيه الجزاء أن يكون مأكولا.

قال ابن قدامة رحمه الله: الجزاء لا يجب إلا بقتل الصيد لأنه الذي ورد به النص بقوله تعالى : { لا تقتلوا الصيد }. والصيد ما جمع ثلاثة أشياء وهو أن يكون مباحا أكله، لا مالك له، ممتنعا. فيخرج بالوصف الأول كل ما ليس بمأكول لا جزاء فيه كسباع البهائم والمستخبث من الحشرات والطير وسائر المحرمات. واختلفت الرواية في السنور أهليا كان أو وحشيا، والصحيح أنه لا جزاء فيه وهو اختيار القاضي لأنه سبع وليس بمأكول. انتهى باختصار.

وأما الطائر فإن كان مأكولا كالحمام وجب فيه الجزاء، فإن كان مما قضى فيه الصحابة بشيء رجع فيه إلى ما قضوا به، وإن كانوا لم يقضوا فيه بشيء وكان له مثل رجع فيه إلى قول عدلين، وإن لم يكن له مثل وجبت قيمته.

قال البهوتي رحمه الله في الروض: جزاء الصيد أي مثله في الجملة إن كان وإلا فقيمته، فيجب المثل من النعم فيما له مثل لقوله تعالى: { فجزاء مثل ما قتل من النعم } ويرجع فيما قضت به الصحابة إلى ما قضوا به فلا يحتاج أن يحكم عليه مرة أخرى لأنهم أعرف وقولهم أقرب إلى الصواب. إلى أن قال: وفي الحمامة شاة، حكم به عمر وعثمان وابن عمر وابن عباس ونافع بن عبد الحارث، في حمام الحرم وقيس عليه حمام الإحرام. وما لم تقض فيه الصحابة يرجع فيه إلى قول عدلين خبيرين، وما لا مثل له كباقي الطيور ولو أكبر من الحمام فيه القيمة. انتهى مختصرا.

ثم هو مخير بين هذا الجزاء وبين قيمته طعاما للمساكين وبين صيام يوم مكان كل مد، وذلك لقوله تعالى: فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا {المائدة:95}

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة